عـقـيدة التوحـيد في دعـوة نبـينا محمـد
- صلى الله عليه وسلم-
د.ناصر العقل
إذا تأملنا القرآن الكريم ، وسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الدعوة ،
نصل إلى حقيقة واضحة كل الوضوح ، وهي :
* أن غالب آيات القرآن الكريم جاءت في تقرير عقيدة التوحيد ،
توحيد الألوهية والربوبية والأسماء والصفات ، والدعوة إلى إخلاص العبادة
والدين لله وحده لا شريك له ، وتثبيت أصول الاعتقاد ( الإيمان والإسلام ) .
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى غالب وقته - بعد النبوة -
في تقرير الاعتقاد والدعوة إلى توحيد الله - تعالى - بالعبادة والطاعة ،
وهذا هو مقتضى ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) .
فالدعوة إلى العقيدة تأصيلاً وتصحيحاً شملت الجزء الأكبر من جهد الرسول
- صلى الله عليه وسلم - و وقته في عهد النبوة .
وإليك بيان ذلك :
1- أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- قضى ثلاثاً وعشرين سنة في الدعوة إلى الله .
هي عهد النبوة ، منها ثلاث عشرة سنة في مكة، جُلـها كانت في الدعوة إلى
تحقيق ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) أي الدعوة إلى توحيد الله - تعالى-
بالعبادة والألوهية وحده لا شريك له ، ونبذ الشرك وعبادة الأوثان وسائر الوسطاء ،
ونبذ البدع والمعتقدات الفاسدة .
ومنها عشر سنين في المدينة ، وكانت موزعة بين تشريع الأحكام ، وتثبيت العقيدة ،
والحفاظ عليها ، وحمايتها من الشبهات ، والجهاد في سبيلها ،
أي أن أغلبها في تقرير التوحيد وأصول الدين ، ومن ذلك مجادلة أهل الكتاب ،
وبيان بطلان معتقداتهم المحرفة ، والتصدي لشبهاتهم وشبهات المنافقين ،
وصد كيدهم للإسلام والمسلمين ، وكل هذا في حماية العقيدة قبل كل شيئ .
فأي دعوة لا تولي أمر العقيدة من الاهتمام كما أولاها رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - علماً وعملاً ; فهي ناقصة .
2- أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما قاتل الناس على العقيدة
(عقيدة التوحيد) حتى يكون الدين لله وحده ، تلك العقيدة المتمثلة
في شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، على الرغم أن سائر المفاسد والشرور
كانت سائدة في ذلك الوقت ، ومع ذلك فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-
جعل الغاية من قتال الناس تحقيق التوحيد، وأركان الإسلام ،
فقد قال - صلى الله عليه وسلم - :
" أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ،
و يقيموا الصلاة ويُؤتوا الزكاة ، فإن فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم
إلا بحق الإسلام ، و حسابهم على الله " .
وهذا لا يعني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يبال بالأمور الأخرى
من الدعوة إلى الفضائل والأخلاق الحميدة من
( البـر والصلة والصـدق والوفـاء والأمانة) ، وترك ضدها من
( الآثام والكبائر كالربا والظلم وقطيعة الرحم ) .
وحاشاه ذلك ، لكنه جعلها في مرتبة بعد أصول الاعتقاد ، لأنه يعلم وهو القدوة
- صلى الله عليه وسلم - أن الناس إذا استقاموا على دين الله وأخلصوا له الطاعة
والعبادة حسنت نياتهم وأعمالهم ، وفعلوا الخيرات واحتنبوا المنهيات في الجملة ،
وأمروا بالمعروف حتى يسود بينهم ويظهر ، ونهوا عن المنكر حتى لا يظهر ولا يسود .
إذن فمدار الخير على صلاح العقيدة ، فإذا صلحت استقام الناس على الحق والخير ،
وإذا فسدت فسدت أحوال الناس ، واستحكمت فيهم الأهواء والآثام ،
وسهلت عليهم المنكرات .
وإلى هذا يشير الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم :
" ألا وإن الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ،
وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب " .
فالرسول - صلى الله عليه وسلم - بالإضافة إلى كونه دعا إلى إخلاص الدين لله ،
وقاتل الناس حتى يشهدوا بكلمة الإخلاص ، فإنه - صلى الله عليه وسلم -
كان يدعوا إلى جميع الأخلاق الفاضلة ، جملة وتفصيلاً ، وينهى عن ضدها ، جملة وتفصيلاً .
وكما اهتم - صلى الله عليه وسلم - بإصلاح الدين، كان يعمل على إصلاح دنيا الناس ،
إنما كان ذلك كله في مرتبة دون الاهتمام بامر التوحيد وإخلاص الدين لله وحده ،
وهذا ما يجهله أو يتجاهله المنازع في هذه المسألة .
3 – إذا تأملنا القرآن الكريم ، المنزل على رسول لله - صلى الله عليه وسلم -
رحمة للعالمين ومنهاجاً للمسلمين إلى يوم الدين ، وجدنا أن أغلبه في تقرير العقيدة
وتقرير أصولها ، وتحرير العبادة والطاعة لله وحده لا شريك له ،
واتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
فإن أول شيئ نزل به القرآن ، وأمر الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم -
أن يفعله هو أن يكبّـر الله تعالى ويعظمه وحده ، وأن ينذر الناس من الشرك ،
وأن يتطهر من الآثام والذنوب وغيرها ، ويهجر ما هم عليه من عبادة الأصنام ،
ويصبرعلى ذلك كله، قال الله تعالى :
{ يَا أَيّهَا الْمُدَّثِّر* قُمْ فَأَنْذِر * ْوَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّر * ْوَالرُّجْزَ فَاهْجُر *
ْوَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ } [ سورة المدثر ، الآية : 1 - 7 ] .
ثم استمر القرآن الكريم يتنزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
سائر العهد المكي ، لتثبيت العقيدة وتقريرها ، والدعوة إلى إخلاص العبادة
والدين لله وحده ، و اتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم .
لذلك نجد أن أغلب آيات القرآن الكريم في العقيدة :
إما بصريح العبارة، وإما بالإشارة ، حيث إن معظم القرآن جاء في تقرير توحيد الألوهية
وإخلاص العبادة لله وحده ، وتوحيد الربوبية والأسماء والصفات ، وأصول الإيمان والإسلام ،
وأمور الغيب والقدر خيره وشره ، واليوم الآخر ، والجنة وأهلها ونعيمها ،
والنار وأهلها وعذابها ( الوعد والوعيد ) ، وأصول العقيدة تدور على هذه الأمور .
وقد ذكر العلماء أن القرآن : ثلث أحكام ، وثلث أخبار ، وثلث توحيد .
وهذا ما فسروا به قول النبي- صلى الله عليه وسلم- :
" قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن " .
فإن { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } اشتملت على أعظم التوحيد والتنزيه لله – تعالى - .
وآيات الأحكام لاتخلو من ذكر للعقيدة وأصول الدين ، وذلك من خلال
ذكر أسماء الله وصفاته ، وطاعته وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ،
وذكر حكم التشريع ... ونحو ذلك .
وكذلك آيات الأخبار والقصص أغلبها في الإيمان والاعتقاد ،
وذلك من خلال أخبار المغيبات والوعيد واليوم الآخر ، ونحو ذلك .
وبهذا يتحقق القول : بأن القرآن الكريم هو الهادي إلى التي هي أقوم إلى يوم القيامة ،
وغالب آياته في تقرير العقيدة والدعوة إليها والدفاع عنها والجهاد في سبيلها .
وبهذا نصل إلى نتيجة بينة ، هي : أنه على الدعاة الذين جعلوا القرآن الكريم
وسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - هديهم أن يدركوا هذه الحقيقة من القرآن والسنة ،
و يعملوا بها ، كما فعل الرسول- صلى الله عليه وسلم - وأصحابه .
والله الهادي إلى سواء السبيل .
********